الحِرَفُ اليَدَويَّةُ

 
 
 
 

في كُلِّ مَرَّةٍ نَرى فيها تِلْكَ الجَرَّةَ الطّينيَّةَ القابِعَةَ في غُرْفَةِ أَجْدادِنا، نَتَساءَلُ عَنِ الحِكايَةِ الَّتي تَحْمِلُها في طَيّاتِها، وَما حَمَلَتْهُ مِنْ ذِكْرَياتٍ وَسَمِعَتْهُ مِنْ حِكايات… وَكَثيرًا ما نَتَساءَلُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِطينٍ وَماءٍ أَنْ يَتَحَوَّلا إِلى شَيْءٍ رائِعِ الجَمالِ وَعَظيمِ الفائِدَةِ، كَهَذِهِ الجَرَّةِ وَغَيْرِها مِنَ الأَدَواتِ الَّتي صَنَعَها الإِنْسانُ عَلى هَذِهِ الأَرْضِ لِتُعينَهُ في مَعيشَتِه. وَانْطِلاقًا مِنْ هُنا، بَدَأَ البَحْثُ وَالتَّنْقيبُ عَنْ مَوْضوعِ الصِّناعاتِ الَّتي ازْدَهَرَتْ في الإِماراتِ قَديمًا إِذْ إِنَّهُ مَوْضوعٌ مُتَشَعِّبٌ وَالحَديثُ عَنْهُ لا يَنْتَهي.

فَما هيَ أَشْهَرُ الحِرَفِ اليَدَويَّةِ المَوْجودَةِ في الإِمارات؟

عاشَ الإِنْسانُ في الإِماراتِ حَياةً صَعْبَةً مَليئَةً بِالتَّحَدّياتِ اليَوْميَّةِ الَّتي قادَتْهُ إِلى امْتِهانِ العَديدِ مِنَ الحِرَفِ الَّتي يَعْتَمِدُ فيها عَلى ما تُبْدِعُهُ يَداه. فَكانَتِ الصِّناعاتُ كُلُّها يَدَويَّةً، كَصِناعَةِ المَنْسوجاتِ وَالفَخّاريّات، وَالأَدَواتِ المَصْنوعَةِ مِنْ سَعَفِ النَّخيل، وَصِناعَةِ السُّفُنِ، وَغَيْرِها الكَثيرِ، نَذْكُرُ مِنْها:

ـ صِناعَةَ السَّدو: هيَ حِرْفَةٌ عَمِلَتْ بِها المَرْأَةُ الإِماراتيَّةُ مُنْذُ القِدَم، وَالسَّدو نَوْعٌ مِنَ النُّسُجِ يُسْتَعْمَلُ في تَزْيينِ الجِمالِ والخيامِ مِنَ الدّاخِلِ، وَإِعْدادِ التَّصاميمِ الَّتي تُضيفُ حَيَويَّةً وَبَريقًا إِلى السُّروجِ وَالأَحْزِمَة.

ـ حِرْفَةَ التَّلّي: تُسْتَعْمَلُ فيها خُيوطُ القُطْنِ أَوِ الحَريرِ بِشَكْلٍ مُتَداخِلٍ مَعَ خُيوطِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ لِتَزْيينِ الياقاتِ وَالأَكْمامِ وَأَطْرافِ الثَّوْب. وَهَذِهِ العَمَليَّةُ تَسْتَغْرِقُ لِصِناعَةِ التَّطْريزِ وَقْتًا طَويلًا حَيْثُ تَتَطَلَّبُ الكَثيرَ مِنَ الصَّبْرِ وَالتَّرْكيز. وَكانَتِ النِّساءُ يَسْتَعْمِلْنَ الزَّعْفَرانَ وَالنّيلَ المُسْتَخْرَجَيْنِ مِنَ النَّباتِ لِتَلْوينِ المَلابِسِ البَيْضاءِ وَجَعْلِها أَكْثَرَ جَمالًا.

ـ الصِّناعاتِ الفَخّاريَّةَ: هيَ مِنْ أَقْدَمِ الحِرَفِ الَّتي عَرَفَها الإِنْسان. فَقَدْ كانَتْ حاجَتُهُ إِلى الأَواني المُسْتَعْمَلَةِ في الطَّهْيِ وَتَقْديمِ الطَّعامِ دافِعًا لَهُ لِتَحْويلِ مادَّةِ الطّينِ إِلى مُخْتَلِفِ الأَشْكالِ وَالأَحْجامِ مِنَ الأَواني الَّتي نَراها اليَوْمَ في المَتاحِفِ أَوْ حَتّى في البُيوت. وَلَمْ يَخْلُ بَيْتٌ قَديمٌ مِنَ الجَرَّةِ المُسْتَعْمَلَةِ في نَقْلِ الماءِ لِتَخْزينِه، وَغَيْرِها الكَثيرِ مِنَ الأَدَواتِ الَّتي صَمَدَتْ عَلى مَرِّ العُصورِ حَتّى وَصَلَتْ إِلَيْنا. وَما زالَ الكَثيرُ مِنَ النّاسِ يَحْرِصونَ عَلى اقْتِنائِها بِغَرَضِ العَرْضِ وَالتَّزْيينِ لا الِاسْتِعْمال.

ـ الخُوصَ وَسَعَفَ النَّخيل: صَنَعَ مِنْها أَجْدادُنا الكَثيرَ مِنَ الأَدَواتِ الَّتي ساعَدَتْهُمْ في تَأْمينِ حاجاتِهِمِ الحَياتيَّةِ البَسيطَةِ مِثْلَ "السَّرودِ" وَهوَ نَوْعٌ مِنَ الفِراشِ الَّذي يوضَعُ عَلَيْهِ الطَّعام، وَ"المَهَفَّةِ" وَهيَ مِرْوَحَةٌ يَدَويَّةٌ للتَّخْفيفِ مِنْ حَرارَةِ الجَوّ، وَ"الدُّعونِ" لِبِناءِ البُيوت.

أَخيرًا، الغَوْصُ في عالَمِ الحِرَفِ اليَدَويَّةِ العَتيقَةِ أَمْرٌ شَديدُ المُتْعَةِ وَالفائِدَة، وَعَلى الأَجْيالِ المُقْبِلَةِ المُحافَظَةُ عَلى هَذا المَوْروثِ الثَّمينِ وَالحِرْصُ عَلى عَرْضِهِ وَتَقْديمِهِ إِلى العالَمِ وَالِافْتِخارِ بِه. وَأَنْت؟ ما هيَ تُحْفَتُكَ اليَدَويَّةُ المُفَضَّلَة؟ وَهَلْ تَرْغَبُ في تَعَلُّمِ صِناعَتِها بِنَفْسِك؟


هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "حمده بنت على بن راشد الشّبليّه" بإشراف المعلّمة "سهيله الكعبي" في الصّفّ التّاسع من مدرسة "الجاهلي - الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2022.

Previous
Previous

الكَنْدورَة

Next
Next

شِتاءُ "طَنْطورَة"