الاستدامة: من استراتيجيّة عالميّة إلى أداة للتّعلّم

 
 

أصبحت الاستدامة اليوم أكثر من مجرّد "صيحة" رائجة في الخطط الاستراتيجيّة الدّوليّة، بل تحوّلت إلى ركيزة أساس في ميادين التّربية والتّعليم. لم يعد مفهوم الاستدامة حكرًا على القضايا البيئيّة، بل أصبح مدخلًا لتعزيز المهارات الحياتيّة والقيميّة لدى المتعلّمين، ممّا يجعل منه أداة فعّالة لدعم عمليّة التّعلّم بحدّ ذاتها.نعلم جميعًا أنَّ اللّغة العربيّة لغةٌ غنيّةٌ وجميلة، ولكن في بعض الأحيان، قد تبدو طرق تعليمها محدودة من حيث تنوّع الأدوات المتاحة.

لكنّ هذا التّحوّل يفتح الباب أمام عدد من الأسئلة الجوهريّة: كيف يمكننا ترجمة هذه المبادئ إلى ممارسات تعليميّة ملموسة؟ وكيف يمكن لـ "كم كلمة" أن تمثّل دورًا في هذا السّياق؟

انضمّوا إلينا في رحلة مشوّقة عبر مدوّنة اليوم، حيث نستخلص أهمّ النّقاط من الدّورة التّدريبيّة الّتي قدّمتها لنا الدّكتورة "لينا القوزي"، المستشارة التّربويّة المتخصّصة في المناهج الدّوليّة والمحلّيّة، بعنوان "التّعليم القائم على الاستدامة".

 

 لماذا علينا أن نؤسّس للتّعليم القائم على الاستدامة؟

يمنح التّعليم من أجل التّربية المستدامة المتعلّمين من جميع الأعمار المعرفة والمهارات والقيم والقدرة على مواجهة التّحدّيات العالميّة المترابطة، بما في ذلك تغيّر المناخ وفقدان التّنوّع البيولوجيّ والاستعمال غير المستدام للموارد وعدم المساواة. كما أنّه يمكّن المتعلّمين، من جميع الأعمار، من اتّخاذ قرارات مستنيرة وإجراءات فرديّة وجماعيّة لتغيير المجتمع ورعاية الكوكب.

التّعليم من أجل التّربية المستدامة هو عمليّة تعلّم مدى الحياة، وجزء لا يتجزّأ من التّعليم الجديد. فهو يعزّز الأبعاد المعرفيّة والاجتماعيّة والعاطفيّة والسّلوكيّة للتّعلّم، ويشمل محتوى التّعلّم ونتائجه وطرق التّدريس وبيئة التّعلّم نفسها.


ما مفهوم التّعليم القائم على الاستدامة؟

  • هنا لا بدّ من التّمييز بين التّعليم القائم على الاستدامة، والتّعليم غير القائم على الاستدامة.

    في السّابق، كان التّعليم يُقدَّم من منظور سلبيّ يركّز على المشكلات والتّحدّيات، أمّا اليوم فقد تغيّر النّهج؛ إذ نضع التّلميذ في حالة ذهنيّة (state of mind) تدعوه إلى الانطلاق من التّفكير الإيجابيّ والبحث عن الحلول والفرص. فلم نعد ندرّس التّصحّر كمشكلة فقط، بل بتنا نتناول كذلك مصادر المياه وكيفيّة الاستفادة منها، والطّاقة المتجدّدة وسبل استثمارها. وهكذا نوجّه التّلميذ ليبدأ تفكيره من منظور إيجابيّ (مثل الحفاظ على الموارد واستدامتها)، بدل أن يحصر نظره في الجوانب السّلبيّة (مثل التّلوّث).

    ووَفقًا لكتاب "الانضباط الخامس" لـ"بيتر سينج"، فإنّ تغيير الذّهنيّة يبدأ من فهم خطوات التّفكير:

    ١- اختيار البيانات بناءً على الملاحظة.

    ٢- إضافة معنى ثقافيّ وشخصيّ.

    ٣- وضع افتراضات استنادًا إلى المعنى المضاف.

    ٤- وضع استنتاجات.

    ٥- تبنّي معتقدات حول العالم.

    ٦-اتّخاذ إجراءات بناءً على المعتقدات.

    هذه السّلسلة توضّح كيف تتكوّن قراراتنا من خلال طريقة تفكيرنا.

 

تُعلَّم الاستدامة من خلال المحاور التّالية:

- البعد البيئيّ، مثلًا: مدن مستدامة، استعمال الطّاقة الشّمسيّة في الصّناعة…

- البعد الاجتماعيّ، مثلًا: محاربة التّسرّب المدرسيّ، "الجَنْدِر"، التّفكير النّقديّ…

- البعد الاقتصاديّ، مثلًا: استبدال العملات الورقيّة بالعملات الرّقميّة…

 

كيف نعلّم في "كم كلمة" من أجل الاستدامة؟

"كم كلمة" ملتزمة بأكثر من مجرّد تعليم اللّغة العربيّة، فهي تساهم في بناء مواطنينَ عالميّين. ومن خلال مواءمة مواردنا مع معايير "التّعليم من أجل الاستدامة"، نضمن أن يتعلّم التّلميذ التّفكير النّقديّ والتّصرّف بمسؤوليّة. كما ترسّخ مواردنا قيم الاستدامة والوعي العالميّ والمسؤوليّة الاجتماعيّة، داعمة بذلك التّعلّم والفهم الأعمق لتحدّيات العالم الحقيقيّ. مع "كم كلمة" لا يتعلّم التّلاميذ اللّغة العربيّة فحسب، بل يتعلّمون كيفيّة المساهمة في بناء مستقبل مستدام.

نستعرض فيما يلي المعايير التّسعة الأساس للتّعليم من أجل الاستدامة (EFS)، مدعومة بأمثلة من منصّة "كم كلمة":

الحفاظ على الثّقافة وتحوّلها المِهْرَجاناتُ المَحَلّيَّةُ

المواطنة المحلّيّة والعالميّة المسؤولة التَّطوُّع.

ديناميكيّات الأنظمة والتّغيير  عندما يصبح البشر وقودًا للرّبح!.

الاقتصاد المستدام صِناعَةُ الوَرَقِ تُهَدِّدُ البيئَة.

موارد الصّحّة العامّة مَدينةُ اليَنابيعِ الحارَّة.

تأثير الابتكار في المستقبل السَّيّارَةُ البيئيَّةُ.

تعدّد وجهات النّظر فَرْدٌ واحِدٌ وَذَكاءاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ.

الارتباط القويّ بالمكان الأَرْضُ في الجَبَلِ.

القوانين الطّبيعيّة والمبادئ البيئيّة. السَّيّارَةُ البيئيَّةُ




كيف نُنمّي التّعلّم عبر مفهوم الاستدامة؟

نُظُم التّفكير وبناء عالم أكثر استدامة:

طريقة تفكيرنا هي المحرّك الأساس لسلوكنا، وبالتّالي هي تشكّل الطّريقة الّتي نتفاعل بها مع العالم من حولنا. وفي زمنٍ تتزايد فيه التّحدّيات البيئيّة والاجتماعيّة، يصبح فهم نُظم التّفكير ضرورة لا رفاهية، إذ تُعدّ هذه النّظم أساسًا لفهم العلاقات المعقّدة بين الإنسان والبيئة والمجتمع، وهي مفتاح رئيس لتحقيق التّنمية المستدامة.

تفكير "تايتانيك" حيث نُكابر بالرّغم من أنّ الخطر واضح أمامنا.

التّفكير المحبط الّذي يفترض أنّه لا جدوى من أيّ محاولة للتّغيير.

التّفكير المتحكّم أو الأنانيّ حيث نغفل عن تأثير تصرّفاتنا في الآخرين والكوكب.

الفخّ الاجتماعيّ عندما نتصرّف فقط لأنّ "الجميع يفعل ذلك".

التّفكير القائم على الجشع الّذي يُقدّم الرّبح الفوريّ على القيم والنّتائج طويلة الأمد.

التّفكير الواثق بالحلّ الإيمان بأنّ لكلّ مشكلة حلًّا ممكنًا.

"مجرّد لعبة" يعكس تهاونًا يجب الحذر منه.

التّفكير المتمحور حول الإنسان فقط يُقصي البيئة والكائنات الأخرى، وهو ما يتعارض مع روح الاستدامة.

تفكير "كلّ شيء مستدام" التّفاؤل الأعمى قد يؤدّي إلى الإهمال أيضًا، لذا يجب أن يكون مدروسًا وواقعيًّا.


الأخلاق والقيم:

تمثّل الأخلاق والقيم دورًا أساسًا في توجيه التّفكير والسّلوك. فحين تكون القيم مثل العدالة والرّحمة والمسؤوليّة جزءًا من منظومتنا الفكريّة، نُصبح أكثر وعيًا وحرصًا على اتّخاذ قرارات تخدم المجتمع والبيئة على حدّ سواء. وهكذا، يصبح التّفكير الأخلاقيّ عنصرًا محوريًّا في تحقيق الاستدامة، إذ يدفعنا إلى التّفكير في أثر أفعالنا في الأجيال القادمة وكوكبنا ككلّ.


المنظور المحلّيّ والعائليّ:

ولا يمكننا تجاهل أهمّيّة المنظور المحلّيّ والعائليّ. فالعالم يبدأ من البيت، والمجتمع يبدأ من العائلة. كما أنّ تعليم الأطفال كيف يفكّرون، لا فقط ما يفكّرون فيه، هو الخطوة الأولى نحو غدٍ أفضل. ومن هنا، تبدأ الاستدامة كنهج حياتيّ من داخل الأسرة، حيث تُزرع القيم البيئيّة والاجتماعيّة في نفوس الأبناء، ويُنمّى وعيهم بأهمّيّة الحفاظ على الموارد والمساهمة الإيجابيّة في مجتمعهم. فبناء جيل واعٍ بالتّفكير المستدام يبدأ من حوار داخل المنزل، ومن ممارسة يوميّة بسيطة تعكس مسؤوليّة تجاه البيئة والمجتمع.


العلاقات التّرابطيّة:

وأخيرًا، كلّ شيء مترابط: العلاقة بين الإنسان والبيئة، بين الفرد والمجتمع، وبين القرارات الفرديّة والتّأثيرات العالميّة. فالاستدامة ليست مشروعًا تقنيًّا، بل رؤية حياتيّة تبدأ من داخل عقولنا، وقد أصبحت ضرورة تحتّمها تحدّيات عصرنا. والتّعليم هو المفتاح لبناء أجيال واعية قادرة على تحقيق الاستدامة، واستثمارٌ حقيقيٌ في مستقبل أفضل.



ابدأ الآن، واترك أثرًا للتّغيير!

 
 

شاركونا آراءكم واقتراحاتكم في التّعليقات أدناه لنجعل تجربة التّعلّم أفضل للجميع! ولا تنسوا الاشتراك في مدوّنتنا للبقاء على اطّلاع دائم بآخر المقالات والنّصائح.

للمزيد من المعلومات والاستفسارات، زوروا موقعنا علىKamkalima.com


أدخِلوا بياناتكم للاشتراك في مدوّنتنا

Next
Next

تحدّيات معلّم: كيف نتعامل مع محدوديّة الموارد التّعليميّة المشوّقة؟