مُقابَلَتي مَعَ الهِرِّ "توم"

 
 
 
 

"توم" شَخْصيَّةٌ كَرْتونيَّةٌ مَشْهورَةٌ شَدَّتْني مُنْذُ كُنْتُ في صَفِّ الرَّوْضَةِ الأولى، وَلَطالَما شَعَرْتُ بِأَنَّهُ طَيِّبٌ بِالرُّغْمِ مِنَ اعْتِقادِ الكَثيرينَ بِأَنَّهُ شِرّيرٌ وَكُلَّ هَمِّهِ مُطارَدَةُ الفَأْرِ المِسْكينِ "جيري". كَما أَنَّني أَراهُ ذَكيًّا وَيَسْعى أَحْيانًا إِلى التَّقَرُّبِ مِنَ "جيري" وَتَلْطيفِ العَلاقَةِ بَيْنَهُما، وَقَدْ لَفَتَني ذَلِكَ في الحَلَقاتِ الَّتي تَغَلَّبَ فيها "توم" عَلى نَزْعَةِ الأَذى المَوْجودَةِ داخِلَه، فانْتَصَرَ الخَيْرُ وَأَدْرَكَ "توم" عِنْدَها أَنَّ "جيري" صديقَه.

وَلِكَثْرَةِ إِعْجابي وَتَعَلُّقي بِهِ وَفُضولي للتَّحَدُّثِ مَعَه، عَبَرْتُ حُدودَ الزَّمانِ وَالمَكانِ وَوَصَلْتُ إِلى البَيْتِ الَّذي يَعيشُ فيهِ لِأُحَدِّثَهُ عَنْ هَذِهِ العَلاقَة، وَأَسْتَفْسِرَ عَنْ سَبَبِ لُجوئِهِ أَحْيانًا إِلى العُنْف، وَأَسْأَلَهُ عَنْ كَيْفيَّةِ تَغَلُّبِهِ عَلى نَزْعَةِ الشَّرِّ داخِلَه…

وَما هيَ إِلّا لَحَظاتٌ حَتّى ظَهَرَ أَمامي، فَشَعَرْتُ بِحَماسَةٍ لا توصَفُ رَبَطَتْ لِساني. وَبَعْدَ بُرْهَةٍ قُلْت: "آهٍ "توم"، لا أُصَدِّقُ أَنَّكَ أَمامي وَأَراكَ بِعَيْنَيَّ المُجَرَّدَتَيْن، أَنا جِدُّ سَعيدَة. سَأَسْمَحُ لِنَفْسي بِالِاسْتِفْسارِ عَنِ العَلاقَةِ الفَريدَةِ الَّتي تَرْبُطُكَ بِالفَأْرِ "جيري"، وَأَبْدَأُ بِسؤالي الأَوَّل:

ـ هَلْ كُنْتَ تَشْعُرُ بِالوَحْدَةِ وَالحُزْنِ عِنْدَما يَبْتَعِدُ عَنْكَ جيري؟"

ـ "في لَحَظاتٍ كَثيرَةٍ كُنْتُ أَنْزَعِجُ وَأَغْضَبُ مِنْ تَصَرُّفاتِ "جيري" السَّخيفَة، فَأَشْعُرُ بِأَنَّني لا أُطيقُ وُجودَهُ وَأَتَمَنّى لَوْ نَفْتَرِق، فَلَمْ يَكُنْ بِإِمْكاني شُرْبُ الحَليبِ الَّذي أُحِبُّهُ بِهُدوء. لَكِنَّني أَدْرَكْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّني لا أَسْتَطيعُ الِاسْتِغْناءَ عَنْ صَديقي اللَّدود، فَهوَ جُزْءٌ مِنْ حَياتي".

ـ "إذًا، لِماذا كُنْتَ تَقومُ بِإيذائِه؟"

ـ "هِمْمم، لا أَدْري! أَتَعْرِفينَ يا عَزيزَتي "لينَة" أَنَّ العَلاقَةَ بَيْنَ الهِرَرَةِ وَالفِئْرانِ لَطالَما كانَتْ مُتَوَتِّرَة؟ فَالهِرَرَةُ مَشْهورَةٌ بِأَكْلِ الفِئْران، وَكُنْتُ دائِمًا أَتَخَيَّلُ "جيري" مُمَدَّدًا داخِلَ شَطيرَةٍ يُغَطّيهِ "الكاتْشاب" وَالجُبْنُ الذّائِبُ وَالمُخَلَّل… وَطَعْمُهُ يَذوبُ في فَمي، يَمْممم! لِذا كُنْتُ أُطارِدُهُ مِنْ مَكانٍ إِلى مَكان. ثُمَّ أَدْرَكْتُ أَنَّ لَهُ الحَقَّ في الدِّفاعِ عَنْ نَفْسِه، وَفَكَّرْتُ في أَنَّني أُفَضِّلُ رؤْيَتَهُ يَقْفِزُ وَيَمْرَحُ وَيُمارِسُ حَياتَهُ الطَّبيعيَّةَ بَدَلًا مِنْ أَنْ يَسْبَحَ في مَعِدَتي!"

ـ "أَتَعْتَقِدُ أَنَّ عَلاقَةَ الهِرَرَةِ وَالفِئْرانِ يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَسَّن؟"

ـ فَكَّرَ "توم" ثُمَّ قال: "مِنَ الضَّروريّ أَنْ تَتَحَسَّن، فَمَعَ وُجودِ كَمّيَّةٍ كَبيرَةٍ مِنَ الأَطْعِمَةِ المُخَصَّصَةِ للهِرَرَة، وَقيامِ الكَثيرِ مِنَ العائِلاتِ بِتَبَنّيها وَتَأْمينِ المَأْكَلِ وَالمَسْكَنِ لَها، أَظُنُّ أَنَّ بِاسْتِطاعَةِ جيلِنا المُقْبِلِ التَّعايُشَ مَعَ الفِئْرانِ بِمَحَبَّةٍ وَسَعادَة. اُنْظُري إِلى اللَّحَظاتِ الَّتي تَشارَكْتُ فيها وَ"جيري" الطَّعامَ وَالمُعَجَّنات، وَاسْتَمْتَعْنا بِها".

ـ "نَعَمْ بِالفِعْل. وَمَنْ هيَ الشَّخْصيَّةُ الَّتي تُحِبُّها وَتُفَضِّلُها بَعْدَ "جيري"؟"

ـ حَكَّ "توم" رَأْسَهُ ثُمَّ أَجاب: "أُفَضِّلُ السَّيِّدَةَ الَّتي عِشْتُ في بَيْتِها. فَبِالرُّغْمِ مِنْ قَسْوَتِها في بَعْضِ الأَوْقات، إِلّا أَنَّها أَمَّنَتْ لي المَسْكَنَ وَالطَّعام".

ـ "لاحَظْتُ أَنَّكَ وَقَعْتَ في الحُبِّ مَرّاتٍ عَديدَة. ما هيَ صِفاتُ هِرَّةِ أَحْلامِك؟"

ـ "هاهاها، أُحِبُّها ذاتَ عَيْنَيْنِ واسِعَتَيْن، وَالأَهَمُّ أَنْ تُفَكِّرَ في إِمْكانيَّةِ الصَّداقَةِ مَعَ الفِئْرانِ لِتُساعِدَني في التَّغَلُّبِ عَلى الأَفْكارِ الشِّرّيرَةِ الَّتي تَدْفَعُني إِلى إيذاءِ "جيري". وَلَكِنْ لِنَكونَ صَريحين، "جيري" لَيْسَ سَهْلًا أَيْضًا".

ـ "هاهاها. وَأَخيرًا، ماذا تَقولُ للأَشْخاصِ الَّذينَ لا يُحِبّونَكَ بِسَبَبِ إيذائِكَ لِـ"جيري"؟"

ـ "كُلُّ ما يُمْكِنُني قَوْلُهُ هوَ أَنْ يُحاوِلوا فَهْمي، فَأَحْيانًا كُنْتُ أُدافِعُ عَنْ نَفْسي، كَما حاوَلْتُ كَثيرًا التَّغَلُّبَ عَلى الأَفْكارِ الشِّرّيرَةِ الَّتي تُراوِدُني. فَفي النِّهايَةِ "جيري" رَفيقُ حَياتي وَلَنْ أَسْتَغْنيَ عَنْه".

ـ "شُكْرًا "توم" لِصَراحَتِكَ وَإِفادَتِنا بِالمَعْلوماتِ القَيِّمَة".

في الخِتام، لا يُمْكِنُني إِلّا التَّعْبيرُ مُجَدَّدًا عَنْ حُبّي لِـ"توم" وَسَعادَتي العارِمَةِ لِرُؤْيَتِهِ شَخْصيًّا وَالتَّحَدُّثِ مَعَه، عَلى أَمَلِ اللِّقاءِ مُجَدَّدًا.


هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "لينة النّاصر" بإشراف المعلّم "أحمد أبو طالب" في الصّفّ السّادس أساسيّ من "المدرسة الأميركيّة العالميّة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2021-2022.

Previous
Previous

لِقاءٌ مَعَ "أَحْمد الشّقيري"

Next
Next

صَيْفُ ضَيْعَتِنا