السَّفَرُ إِلى المُسْتَقْبَل

 
 
 
 

أَهْلًا وَسَهْلًا بِكُمْ مُتابِعينا في التَّدوينِ الصَّوْتيّ، "البودكاست". دَعوني قَبْلَ التَّرْحيبِ بِضَيْفِنا العَزيز، أَنْ أُعَبِّرَ كَمْ هوَ غَريبٌ وَغَيْرُ مَأْلوفٍ أَنْ تَنْظُرَ إِلى نُسْخَتِكَ المُسْتَقْبَليَّةِ الرّاشِدَةِ وَالنّاجِحَةِ وَالمُتَأَلِّقَةِ بِعَيْنَيْكَ المُجَرَّدَتَيْن. آهٍ كَمْ هوَ فَريدٌ مِنْ نَوْعِهِ هَذا اللِّقاء!

وَالآنَ أُرَحِّبُ بِضَيْفِنا الكَريمِ المُتَمَيِّزِ بِإِطْلالَتِهِ السّاحِرَةِ وَابْتِسامَتِهِ الجَميلَةِ الَّتي لا تُفارِقُ وَجْهَه، وَصاحِبِ الكَلِماتِ المُعَبِّرَة. إِنَّهُ سَفيرُنا في المَمْلَكَةِ المُتَّحِدَةِ الحاصِلُ عَلى دَرَجَةِ "الدُّكْتوراه" في الِاقْتِصادِ وَالعُلومِ السّياسيَّةِ مِنْ جامِعَةِ "ويلز"، الدُّكْتورُ "سعود حسن العبّاسي".

لَقَدْ دَعَوْتُهُ اليَوْمَ لِنَغوصَ وَنُبْحِرَ في أَعْماقِهِ وَنَسْتَخْرِجَ مِنْهُ عُصارَةَ خِبْراتِهِ وَنَقْرَأَ أَفْكارَهُ وَما يَدورُ في ذِهْنِه، وَلِنَكْتَشِفَ ماذا حَقَّقَ مِنْ أَحْلامِهِ وَبِمَ يَحْلُمُ للمُسْتَقْبَل.

ـ "أُحَيّيكَ مِنْ جَديدٍ دُكتور "سعود"، وَأَشْكُرُ تَلْبيَتَكَ الدَّعْوَة. وَأَنا مُمْتَنٌّ وَسَعيدٌ جِدًّا بِلِقائِك".

ـ "وَأَنا سَعيدٌ بِدَوْري، وَأَتَشَرَّفُ بِكَوْني أَحَدَ ضُيوفِك. وَبِالمُناسَبَة، تابَعْتُكَ في الفَتْرَةِ الأَخيرَة، وَأَنا مِنْ أَشَدِّ المُعْجَبينَ بِكَ وَبِقُدُراتِك".

ـ "شُكْرًا لَك، شَهادَةٌ أَعْتَزُّ بِها. وَالآنَ لِنَبْدَأَ بِسُؤالِنا الأَوَّل: كَيْفَ كانَتْ تَجْرِبَتُكَ في الغُرْبَةِ في أَثْناءِ الدِّراسَة؟"

ـ "آه، تَجْرِبَةٌ قاسيَة. فَالبُعْدُ عَنِ الوَطَنِ وَالأَهْلِ وَالأَصْدِقاءِ صَعْبٌ للغايَةِ وَيَحْتاجُ المَرْءُ وَقْتًا طَويلًا ليَتَأَقْلَم".

ـ "صِفْ لَنا شُعورَ والِدَيْكَ بَعْدَ رُجوعِكَ حامِلًا الشَّهادَةَ العُلْيا؟"

ـ "هَذِهِ اللَّحَظاتُ لا تُمْحى مِنَ الذّاكِرَة، خُصوصًا فَرْحَةُ الوالِدَيْنِ الكَبيرَة. وَما زالَ كُلُّ تَفْصيلٍ مِنْها مَحْفورًا في ذِهْني".

ـ "تَمْهيدًا للجُزْءِ المِهْنيّ، أَتُفَضِّلُ العِلْمَ أَمِ الثَّراءَ في حَياتِك؟"

ـ "وَهَلْ هَذا سُؤال! طَبْعًا العِلْم، فَهوَ ميراثٌ تَزْدَهِرُ بِهِ الأُمَمُ وَالدّوَلُ وَتَتَطَوَّر. وَمِنْ أَقْوالِ العِلْمِ المَشْهورَة: "اُطْلُبِ العِلْمَ مِنَ المَهْدِ إِلى اللَّحْد". إِذْ بِالعِلْمِ تَتَفَتَّحُ العُقولُ وَتُجْنى الأَمْوال، أَمّا الغِنى وَالثَّراءُ فَلا يُؤَمِّنانِ العِلْم. وَلا تَنْسى، قَدْ تَكونُ غَنيًّا وَتُصْبِحُ فَقيرًا بَيْنَ لَيْلَةٍ وَضُحاها، وَلَكِنْ مَعَ العِلْمِ فَالعَكْسُ صَحيح".

ـ "كَلامٌ مِنْ ذَهَب. وَالآن، نَوَدُّ التَّعَرُّفَ إِلى رِحْلَتِكَ العَمَليَّةِ وَكَيْفيَّةِ وُصولِكَ إِلى هَذا المَنْصِبِ المَرْموق".

ـ "عَلى فِكْرَة، عِنْدَما تَخَرَّجْتُ مِنْ مَدْرَسَةِ "الحِكْمَةِ الدَّوْليَّةِ" الَّتي تَرْتادُها أَنْتَ الآن، كُنْتُ أَعيشُ صِراعًا داخِليًّا حَوْلَ التَّخَصُّصِ المَطْلوبِ في السّوق. كَما أَنَّني تَعَرَّضْتُ لِبَعْضِ الضُّغوط، لَكِنَّني تَغَلَّبْتُ عَلَيْها بِفَضْلِ اللهِ وَمُساعَدَةِ والِدَيّ، وَاخْتَرْتُ بَعْدَها الِاخْتِصاصَ الَّذي أُحِبُّه، وَكُنْتُ دائِمًا أُحاوِلُ الِابْتِعادَ عَنِ الوَظائِفِ التَّقْليديَّةِ إِذْ يَقِلُّ الطَّلَبَ عَلَيْها تَدْريجيًّا مَعَ الوَقْت. فَلِلْمُسْتَقْبَلِ وَظائِفٌ أُخْرى تَتَعَلَّقُ بِالحَوْسَبَةِ وَالذَّكاءِ الِاصْطِناعيِّ وَهَنْدَسَةِ الِاتِّصالاتِ وَغَيْرِها".

ـ "عَفْوًا لَفَتَتْني إِجابَتُك، ماذا تَقْصِدُ بِالوَظائِفِ التَّقْليديَّة؟"

ـ "أَعْني وَظائِفَ التَّدْريسِ وَالمُحاماةِ وَما يُشْبِهُهُما. فَهيَ مِنَ المِهَنِ الكلاسيكيَّةِ التَّقْليديَّةِ الَّتي سَتَخْتَفي يَوْمًا ما".

ـ "نَعَمْ أَتَّفِقُ مَعَك، وَلَكِنْ أَلا تُلاحِظُ أَنَّكَ تَقَلَّدْتَ بِمَنْصِبٍ تَقْليديّ؟"

ـ "هاهاها صَحيح، وَلَكِنْ في زَمَني لَمْ تَكُنْ هُناكَ مِهَنٌ مُتَقَدِّمَةٌ وَغَيْرُ تَقْليديَّةٍ كَالحالِ اليَوْم، فَهيَ مُنْتَشِرَةٌ وَمُتاحَةٌ للجَميع".

ـ "مِنْ واقِعِ خِبْرَتِكَ في الحَياة، عَرِّفْ لي مَفْهومَها".

ـ "إِجابَةُ هَذا السّؤالِ بَحْرٌ واسِعٌ سَأَخْتَصِرُهُ بِقَوْلي إِنَّ الحَياةَ مَدْرَسَة، وَكُلَّما تَقَدَّمَ بِكَ العُمْرُ اكْتَسَبْتَ مِنْها خِبْرَةً تُمَكِّنُكَ مِنْ حَلِّ المَشاكِلِ وَالمَسائِلِ المُعَقَّدَةِ وَالمَصاعِبِ الَّتي تواجِهُها بِشَكْلٍ أَسْهَل، فَتَتَغَلَّبُ عَلَيْها".

ـ "صَحيح، أَنْتَ مُحِقّ. لَدَيَّ سؤالٌ فُضوليٌّ يَتَعَلَّقُ بِهوايَتي المُفَضَّلَةِ الَّتي أُمارِسُها الآن: هَلِ اسْتَمْرَرْتَ بِرُكوبِ الخَيْلِ مُنْذُ أَنْ كُنْتَ في السّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ عُمْرِكَ حَتّى الآن؟"

ـ "طَبْعًا، وَشارَكْتُ في مُسابَقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَيْضًا، وَلَكِنْ للأَسَفِ خَسِرْتُهُما. كانَتِ الأولى في البَحْرَيْن، وَالثّانيَةُ في المَمْلَكَةِ العَرَبيَّةِ السَّعوديَّة. وَعَلى فِكْرَة، كُنْتُ عَلى وَشْكِ أَنْ أُشارِكَ في مُسابَقَةٍ ثالِثَةٍ في البَحْرَيْن، إِلّا أَنَّ انْشِغالي بِالدِّراسَةِ مَنَعَني مِنْ ذَلِك".

ـ "ما مَوْقِفُكَ مِنَ الفَشَل؟ وَهَلْ يَجِبُ الحَذَرُ مِنْه؟"

ـ "الفَشَلُ هوَ طَرَفُ الخَيْطِ الَّذي يوصِلُنا إِلى طَريقِ النَّجاح، فَما مِنْ شَخْصٍ لَمْ يَفْشَلْ أَوْ يُخْطِئْ في حَياتِه، حَتّى أَنْتَ وَأَنا. الفَشَلُ بِحَدِّ ذاتِهِ لَيْسَ عَيْبًا، بِالعَكْسِ عَلَيْكَ أَنْ تَفْشَلَ ثُمَّ تَقِفَ مَرَّةً أُخْرى عَلى رِجْلَيْكَ لِتَعْرِفَ الصَّوابَ وَمَعْنى النَّجاحِ وَقيمَتَه.

اُحْلُمْ بِالغَدِ عَزيزي "سعود"، وَاجْتَهِدْ وَراقِبِ النّاجِحينَ لِتَأْخُذَ مِنْهُمُ الطّاقَةَ الإيجابيَّةَ وَتَرْتَقي. فَبِالعِلْمِ وَحْدَهُ يا حَبيبي تَنْجَحُ الأُمَم. وَأَنا عَلى يَقينٍ أَنَّ مُسْتَقْبَلَكَ مُشْرِق".

ـ "بِمَ تَوَدُّ أَنْ تَخْتَتِمَ لِقاءَنا دُكْتور "سعود"؟ وَما النَّصيحَةُ الَّتي تُقَدِّمُها لي؟"

ـ "أَوَّلًا، أَشْكُرُكَ لِاسْتِضافَتِكَ وَآمُلُ أَلّا أَكونَ قَدْ أَزْعَجْتُكَ وَالمُتابِعين. وَنَصيحَتي لَكَ وَلِلْجَميعِ أَلّا تَتَهاوَنوا بِالدِّراسَةِ وَتَلَقّي العِلْمِ وَخِدْمَةِ الوَطَن، وَأَنْ تَكونوا خَيْرَ سُفَراءَ لِوَطَنِكُمْ أَيْنَما كُنْتُم".

ـ "رائِع! شُكْرًا دُكْتور "سعود"، أَنا أُقَدِّرُ مَجيئَكَ وَإِجْراءَ هَذِهِ المُقابَلَةِ اللَّطيفَةِ فِعْلًا، وَلا أُريدُ أَخْذَ المَزيدِ مِنْ وَقْتِك، عَلى أَمَلِ أَنْ نَلْتَقيَ مُجَدَّدًا بِشَخْصِكَ الكَريم".

أَعِزّائي المُشاهِدينَ وَالمُسْتَمِعينَ أَشْكُرُكُمْ لِمُتابَعَتِنا، وَأَتَمَنّى أَنْ تَكونوا قَدِ اسْتَفَدْتُمْ مِثْلي مِنْ خِبْراتِ الدُّكْتور "سعود" العَمَليَّةِ وَالعِلْميَّةِ وَالحَياتيَّة. لَكُمْ مِنّي كُلَّ التَّقْدير، إِلى المُلْتَقى.

هذا النّصّ من تأليف التّلميذ "سعود حسن العبّاسي" بإشراف المعلّم "محمود بدير" في الصّفّ العاشر أساسيّ من مدرسة "الحكمة الدّوليّة" خلال مشاركته في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2021-2022.

Previous
Previous

أَهْلًا بِالبَطَل!

Next
Next

لِقاءٌ مَعَ "أَحْمد الشّقيري"