لِقاءٌ مَعَ مُبْدِعَة

 
 
 
 

مَرْحَبًا بِكُمْ مُشاهِدينا في بَرْنامَجِنا الأُسْبوعيِّ "لِقاءٌ مَعَ مُبْدِع"، حَيْثُ نَسْتَضيفُ مَشاهيرَ كافَحوا وَأَبْدَعوا في مَجالِهِمْ وَتَعَدَّدَتْ إِنْجازاتُهُم. لَكِنَّ حَلْقَتَنا اليَوْمَ غَريبَةٌ عَجيبَةٌ وَفَريدَةٌ مِنْ نَوْعِها، إِذْ نَسْتَضيفُ فَنّانَةً مَوْهوبَةً دَخَلَتْ عالَمَ الفَنِّ وَأَتْقَنَتْهُ بِسَبَبِ عِشْقِها الكَبيرِ للرَّسْم؛ وَحِسابُها عَلى "إِنْستَغرام" أَكْبَرُ دَليلٍ عَلى ذَلِك. إِنَّها نُسْخَتي بَعْدَ عِشْرينَ عامًا "فاطِمَة شَمْس".

"أَهْلًا وَسَهْلًا بِكِ "فاطمة". اُعْذُريني لَوْ سَمَحْتِ، إِنَّها المَرَّةُ الأولى الَّتي أَشْعُرُ فيها بِتَوَتُّرٍ وَغَرابَةٍ لِاسْتِضافَةِ نَفْسي وَفَسْحِ المَجالِ أَمامَها لِتَذَكُّرِ أَيّامِ الطُّفولَةِ وَالمُراهَقَة."

ـ "هاهاها، مَرْحَبًا! أَوَّلًا أَشْكُرُكِ لِاسْتِضافَتي في هَذا البَرْنامَج، وَثانيًا أوافِقُكِ الرَّأْيَ تَمامًا، فَرؤْيَةُ نَفْسي أَيّامَ المُراهَقَةِ وَالتَّحَدُّثُ مَعَها أَمْرٌ عَجيب، وَلَكِنَّهُ فَريدٌ مِنْ نَوْعِهِ كَما قُلْتِ."

ـ "فَلْنَبْدَأْ إِذًا. حَدِّثينا بِدايَةً عَنْ تَخَصُّصِك."

ـ "لَقَدْ حُزْتُ عَلى "بَكالورْيوسَ في التَّرْبيَةِ الفَنّيَّة"، وَيَتَطَلَّبُ عَمَلي أَخْذَ المَعْلوماتِ مِنْ زَبائِني قَبْلَ رَسْمِ أَيِّ تُحْفَةٍ تَرْقى إِلى مُسْتَوى تَوَقُّعاتِهِم."

ـ "كَيْفَ تَحْصُلينَ عَلى هَذِهِ المَعْلومات؟ أَتَطْرَحينَ أَيَّ سؤالٍ عَلى زَبائِنِكِ قَبْلَ أَخْذِ طَلَباتِهِم؟"

ـ "طَبْعًا، أَسْأَلُهُمْ عَنْ مُخَطَّطاتِ الأَلْوانِ المُفَضَّلَةِ لَدَيْهِم، وَالأَجْواءِ الَّتي يُحِبّونَها. كَما أَسْتَفْسِرُ عَمّا يَجْذِبُهُمْ إِلى فَنّي، وَعَنْ نَوْعِ المَناظِرِ الطَّبيعيَّةِ الَّتي يَميلونَ إِلَيْها، وَعَنْ مواصَفاتِ عُطْلَتِهِمِ المِثاليَّة… وَغَيْرِها الكَثير."

ـ "وَلِماذا تَسْأَلينَهُمْ كُلَّ هَذِهِ الأَسْئِلَة؟"

ـ "شَخْصيًّا أُحِبُّ أَنْ أَفْهَمَ زَبائِني، وَأَتَعَرَّفَ إِلى ما يَروقُهُم. فَلا بُدَّ مِنْ وُجودِ سَبَبٍ جَذَبَهُمْ إِلى فَنّي، وَهَذا ما أُحاوِلُ فَهْمَهُ وَمَعْرِفَتَه. كَما أَنَّ هَذِهِ الأَسْئِلَةَ تُساعِدُني في رَسْمِ الصّورَةِ المِثاليَّةِ لَهُم."

ـ "مُدْهِش! وَبِرَأْيِكِ ما الَّذي يَجْذِبُهُمْ إِلى فَنِّك؟"

ـ "هَذا سؤالٌ صَعْبٌ وَلا يُمْكِنُني الإِجابَةُ عَنْه، إِذْ تَخْتَلِفُ كُلُّ لَوْحَةٍ عَنْ أُخْتِها. صَحيحٌ أَنَّ جَميعَها مِنْ صُنْعِ شَخْصٍ واحِدٍ إِلّا أَنَّها لا تَحْمِلُ المَعْنى نَفْسَه. فَقَدْ يَنْجَذِبُ المُشاهِدُ إِلى لَوْحَةٍ مُعَيَّنَةٍ لأَنَّها عَنَتْ لَهُ أَوْ لَمَسَتْهُ أَوْ أَوْحَتْ لَهُ بِشَيْءٍ ما، فَأَساسُ الفَنِّ كَيْفيَّةُ فَهْمِهِ وَتَفْسيرِه."

ـ "قُلْتِ إِنَّ فَنَّكِ لَهُ مَعْنى. أَيُمْكِنُكِ أَنْ تُخْبِرينا كَيْفَ ذَلِك؟"

ـ "كُلُّ فَنٍّ لَهُ مَعْنى، فَهوَ يَحْمِلُ مَشاعِرَ الفَنّانِ وَيَعْكِسُها عَلى الآخَرين، فَيَفْهَمُها المُشاهِدُ حَسَبَ نَظْرَتِهِ وَرؤْيَتِهِ وَأَحاسيسِهِ تِجاهَ هَذا الفَنّ. وَشَخْصيًّا، أَظُنُّ أَنَّ أَفْضَلَ الفَنّانينَ هُمُ الَّذينَ يَعْكِسونَ مَشاعِرَهُمْ في لَوْحاتِهِم."

ـ "أَهُناكَ مَنْ أَلْهَمَكِ في لَوْحاتِك؟"

ـ "يَتَجَسَّدُ الفَنُّ في العَديدِ مِنَ الأَشْكالِ كَما هوَ الحالُ مَعَ الإِلْهام. لِذا لَيْسَ واجِبًا أَنْ يَكونَ مَصْدَرُ إِلْهامِكِ فَنّانًا مُعَيَّنًا لِتُصْبِحي بِدَوْرِكِ فَنّانَة. فَأَنَا شَخْصيًّا لَمْ يُلْهِمْني الفَنّانونَ الآخَرون، بَلِ اسْتَوْحَيْتُهُ مِنْ مَظْهَرِ النّاسِ وَأَماكِنِهِمْ وَعَواطِفِهِم، وَالأَهَمُّ أَنَّني كُنْتُ أَعْشَقُ الفَنَّ مُنْذُ الطُّفولَة. لِذا، أَكْبَرُ مَصْدَرٍ لِإِلْهامي هوَ ذاتي في الماضي، إِذْ أَسْتَلْهِمُ مِنْ إِبْداعاتي السّابِقَةِ وَتَقَدُّمي عَلى مَرِّ السِّنين."

ـ "لَقَدْ ذَكَرْتِ أَنَّكِ بَدَأْتِ الرَّسْمَ مُنْذُ الطُّفولَة. هَلْ كانَتْ لَدَيْكِ طُموحاتٌ وَخُطَطٌ أُخْرى لِحَياتِكِ المِهْنيَّة؟
ـ "أَبَدًا، لَطالَما كانَ الفَنُّ دَعْوَتي الحَقيقيَّة، فَقَدْ كُنْتُ أَحْلُمُ دائِمًا بِالجُلوسِ في غُرْفَةٍ كَبيرَةٍ تَخْتَرِقُ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ نافِذَتَها، وَوَضْعِ أَنابيبِ الدَّهانِ عَلى يَساري وَالفُرَشِ عَلى يَميني، مُسْتَمِعَةً إِلى أَصْواتِ الطُّيورِ خارِجَ نافِذَتي تُغَرِّد. هَذا ما أَتَخَيَّلُهُ عِنْدَما أُفَكِّرُ في الفَنّ. أَمّا أَيّامَ الطُّفولَة، وَتَحْديدًا في السّابِعَةِ مِنْ عُمْري، فَكانَتْ والِدَتي تُسَلِّمُني أَوْراقَ التَّلْوينِ وَتَطْلُبُ إِلَيَّ أَنْ أُلَوِّنَ داخِلَ السُّطور، وَكُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ وَأُطَبِّقُ نَصائِحَها في لَوْحاتي المَدْرَسيَّةِ أَيْضًا، وَقَدْ أَشادَ أَساتِذَتي بي لأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا ذَلِكَ في الأَطْفالِ الآخَرين. وَفي التّاسِعَةِ مِنْ عُمْري، كانَتْ والِدَتي تَشْتَري لَوْحاتٍ قُماشيَّةً ضَخْمَةً وَتَطْلُبُ إِلَيَّ مُساعَدَتَها في الرَّسْمِ عَلَيْها وَالتَّلْوينِ عَلى الخُطوط. لَقَدْ كُنّا نَقْضي أَيّامًا عَلى كُلِّ لَوْحَة، وَالغَريبُ أَنَّني أَتَذَكَّرُها كُلَّها بِوُضوحٍ تامّ. وَمِنَ اللَّوْحاتِ المُفَضَّلَةِ لَدَيَّ حَتّى الآنَ لَوْحَةُ شَجَرَةِ زَهْرِ الكَرَز، وَلَوْحَةُ سَلَّةِ التَّمْرِ ذاتِ الخَلْفيَّةِ المُلَوَّنَة."

ـ "تَبْدو والِدَتُكِ داعِمَةً كَبيرَةً لَك. أَتَدْعَمُ حَياتَكِ المِهْنيَّة؟"

ـ "في الواقِع، أُمّي وَخالَتي وابْنُها وَعَمّي كانوا مِنْ أَكْبَرِ المؤَيِّدينَ وَالدّاعِمينَ لي في أَثْناءِ الطُّفولَةِ وَالمُراهَقَة، وَكانوا يَمْدَحونَ رُسوماتي دائِمًا أَمامَ أَقْرِبائي. أَمّا فِكْرَةُ مُتابَعَةِ الفَنِّ كَمِهْنَةٍ فَلَمْ تَلْقَ إِعْجابَ أُمّي إِذْ كانَتْ تُفَضِّلُ أَنْ أَسْتَثْمِرَ ذَكائي في الطِّبِّ وَأُمارِسَ الرَّسْمَ كَهِوايَة."

ـ "وَكَيْفَ تَمَكَّنْتِ مِنْ إِقْناعِها بَعْدَ ذَلِك؟"

ـ "لَقَدْ تَناوَلْتُ بِالتَّفْصيلِ أَثَرَ الفَنِّ الكَبيرَ في حَياتي، وَكَمْ أَحْبَبْتُ الرَّسْمَ وَكَمْ أَشْعُرُ بِالسَّعادَةِ عِنْدَ مُمارَسَتِه. ثُمَّ أَخْبَرْتُ والِدَيَّ إِنَّ الفَنَّ يَأْخُذُني إِلى مُسْتَوًى آخَرَ مِنَ الوُجودِ حَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَكونَ الكَوْنُ كَما أَتَخَيَّلُهُ وَأُريدُه. كَما عَبَّرْتُ لَهُما أَنَّني غَيْرُ قادِرَةٍ عَلى مواكَبَةِ سَبْعِ سَنَواتٍ مِنْ دِراسَةِ الطِّبّ، في حينِ أَنَّهُ يُمْكِنُني إِتْقانُ الفَنِّ بِنَجاحٍ تامٍّ وَجُهْدٍ أَقَلّ. عِنْدَها، أَخْبَرَتْني أُمّي إِنَّها تَتَفَهَّمُ ذَلِكَ لَكِنَّها تُريدُ أَفْضَلَ خِيارٍ لي، وَأَضافَتْ إِنَّها لا تَسْتَطيعُ إِجْباري عَلى دِراسَةِ ما لا أُريدُهُ وَأَرْفُضُهُ لأَنَّهُ سَيَكونُ مَضْيَعَةً للوَقْتِ وَالمالِ وَالطّاقَة."

ـ "اِهْتمامُكِ الشَّديدُ بِالفَنِّ واضِح. ما النَّصيحَةُ الَّتي تَوَدّينَ تَقْديمَها لِجُمْهورِك؟"

ـ "أَوَدُّ تَوْجيهَ نَصيحَتي إِلى جُمْهوري الأَصْغَرِ سِنًّا: "لا تَخافوا مِنْ أَحْلامِكُمْ وَالسَّعْيِ خَلْفَها مَهْما كانَت، إِذْ يُمْكِنُكُمْ تَحْقيقُ إِنْجازاتٍ عَظيمَةٍ عِنْدَما تَبْذُلونَ جُهْدًا عاليًا، وَتَحْديدًا في الفَنّ، فَهوَ يَتَطَلَّبُ وَقْتًا وَمُمارَسَةً وَإِتْقانًا…"."

هَذا حَقًّا مُلْهِم! وَأَخيرًا أَشْكُرُكِ "فاطمة" عَلى هَذا اللِّقاء، وَأَتَمَنّى أَنْ تَكونوا مُشاهِدينا قَدِ اسْتَمْتَعْتُمْ بِحَلْقَةِ اليَوْمِ وَبِنُسْخَتي المُسْتَقْبَليَّةِ وَطُموحاتِها. مُلْتَقانا صَباحَ الغَدِ مَعَ مُبْدِعٍ جَديد، إِلى اللِّقاء.

هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "فاطمة محسن شمس" بإشراف المعلّم "محمود بدير" في الصّفّ العاشر أساسيّ من مدرسة "الحكمة الدّوليّة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2021-2022.

Previous
Previous

مِرآةُ المُسْتَقْبَلِ

Next
Next

لِقاءُ الحُلْمِ